الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الاشتغال بسنة رسول الله ﷺ من أجل الطاعات وأعظم القربات، والعلوم تشرف بما تعلقت به؛ لذا كانت العلوم المتعلقة بسنة النبي ﷺ أشرف العلوم بعد العلم بكتاب الله تعالى، وهي أولى ما تصرف فيه الجهود، وتبذل فيه الأوقات بعد القرآن؛ لأن السنة هي المصدر الثاني من مصادر الشريعة الإسلامية بعد كتاب الله تعالى، وهما الأصلان اللذان تبنى عليهما الأحكام الاعتقادية والعملية، وبهما تقوم سعادة البشرية، فأما القرآن فقد تكفل الله بحفظه؛ قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَفِظُونَ ﴾ [الحجر: ٩] ، وأما السُّنَّة فقد هيأ الله تعالى لها علماء الأمة لحفظها من الدخيل، وخدمتها جمعا وتصحيحا، وشرحًا وترتيبا، واختصارًا وتهذيبًا، وهي داخلة في عموم الذكر المحفوظ، قال ابن حزم الذكر : اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيه : من قرآن أو سنةِ وَحْيِ يُبَيِّنُ بها القرآن (۱).
وقد سلك العلماء رحمهم الله في التأليف في جمع السنة مسالك شتى على مر العصور، وغالبها في جمع الأحاديث النبوية على أبواب الفقه، أو مسانيد الصحابة .
ومنهم من يجمع في كتاب واحد كل ما وصل إليه علمه حول
(1) الإحكام في أصول الأحكام (۱۱۰/۱)